الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب عمود الفسطاط) العمود بفتح أوله معروف والجمع أعمدة وعمد بضمتين، وبفتحتين ما ترفع به الأخبية من الخشب ويطلق أيضا على ما يرفع به البيوت من حجارة كالرخام والصوان، ويطلق على ما يعتمد عليه من حديد وغيره، وعمود الصبح ابتداء ضوئه، والفسطاط بضم الفاء وقد تكسر وبالطاء المهملة مكررة وقد تبدل الأخيرة سينا مهملة وقد تبدل التاء طاء مثناة فيهما وفي أحدهما وقد تدغم التاء الأولى في السين وبالسين المهملة في آخره لغات تبلغ على هذا اثنتي عشرة اقتصر النووي منها على ست الأولى والأخيرة وبتاء بدل الطاء الأولى وبضم الفاء وبكسرها. وقال الجواليقي: إنه فارسي معرب. قوله (تحت وسادته) عند النسفي " عند " بدل " تحت " كذا للجميع ليس فيه حديث، وبعده عندهم " باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام " إلا أنه سقط لفظ " باب " عند النسفي والإسماعيلي، وفيه حديث ابن عمر " رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير " وأما ابن بطال فجمع الترجمتين في باب واحد فقال " باب عمود الفسطاط تحت وسادته ودخول الجنة في المنام فيه حديث ابن عمر إلخ " ولعل مستنده ما وقع في رواية الجرجاني " باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام وعمود الفسطاط تحت وسادته " فجعل الترجمتين في باب واحد وقدم وأخر، ثم قال ابن بطال قال المهلب: السرقة الكلة وهي كالهودج عند العرب، وكون عمودها في يد ابن عمر دليل على الإسلام، وطنبها الدين والعلم والشرع الذي به يرزق التمكن من الجنة حيث شاء، وقد يعبر هنا بالحرير عن شرف الدين والعلم لأن الحرير أشرف ملابس الدنيا وكذلك العلم بالدين أشرف العلوم، وأما دخول الجنة في المنام فإنه يدل على دخولها في اليقظة لأن في بعض وجوه الرؤيا وجها يكون في اليقظة كما يراه نصا، ويعبر دخول الجنة أيضا بالدخول في الإسلام الذي هو سبب لدخول الجنة وطيران السرقة قوة تدل على التمكن من الجنة حيث شاء، قال ابن بطال: وسألت المهلب عن ترجمة عمود الفسطاط تحت وسادته ولم يذكر في الحديث عمود فسطاط ولا وسادة فقال: الذي يقع في نفسي أنه رأى في بعض طرق الحديث السرقة شيئا أكمل مما ذكره في كتابه، وفيه أن السرقة مضروبة في الأرض على عمود كالخباء وأن ابن عمر اقتلعها من عمودها فوضعها تحت وسادته وقام هو بالسرقة فأمسكها وهي كالهودج من إستبرق فلا يريد موضعا من الجنة إلا طارت به إليه، ولم يرض بسند هذه الزيادة فلم يدخله في كتابه، وقد فعل مثل هذا في كتابه كثيرا كما يترجم بالشيء ولا يذكره ويشير إلى أنه روى في بعض طرقه، وإنما لم يذكره للين في سنده، وأعجلته المنية عن تهذيب كتابه انتهى. وقد نقل كلام المهلب جماعة من الشراح ساكتين عليه، وعليه مآخذ أصلها إدخال حديث ابن عمر في هذا الباب وليس منه بل له باب مستقل، وأشدها تفسيره السرقة بالكلة فإني لم أره لغيره، قال أبو عبيدة: السرقة قطعة من حرير وكأنها فارسية. وقال الفارابي: شقة من حرير، وفي النهاية: قطعة من جيد الحرير، زاد بعضهم بيضاء، ويكفي في رد تفسيرها بالكلة أو الهودج قوله في نفس الخبر " رأيت كأن بيدي قطعة إستبرق " وتخيله أن في حديث ابن عمر الزيادة المذكورة لا أصل له فجميع ما رتبه عليه كذلك، وقلده ابن المنير فذكر الترجمة كما ترجم وزاد عليه أن قال: روى غير البخاري هذا الحديث - أي حديث ابن عمر - بزيادة عمود الفسطاط ووضع ابن عمر له تحت وسادته ولكن لم توافق الزيادة شرطه فأدرجها في الترجمة نفسها، وفساد ما قال يظهر مما تقدم، والمعتمد أن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث جاء من طريق " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه عمود الكتاب انتزع من تحت رأسه " الحديث وأشهر طرقه ما أخرجه يعقوب بن سفيان والطبراني وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فأتبعته بصري فإذا هو قد عهد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام " وفي رواية " فإذا وقعت الفتن فالأمن بالشام " وله طريق عند عبد الرزاق رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه انقطاعا بين أبي قلابة وعبد الله بن عمرو ولفظه عنده " أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام " وأخرج أحمد ويعقوب بن سفيان والطبراني أيضا عن أبي الدرداء رفعه " بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام " الحديث وسنده صحيح. وأخرج يعقوب والطبراني أيضا عن أبي أمامة نحوه وقال " انتزع من تحت وسادتي " وزاد بعد قوله بصري " فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به فعمد به إلى الشام، وإني أولت أن الفتن إذا وقعت أن الأمان بالشام " وسنده ضعيف. وأخرج الطبراني أيضا بسند حسن عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة فقلت ما تحملون قالوا عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام. قال وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشام " وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني بسند ضعيف وعن عمر عند يعقوب والطبراني كذلك وعن ابن عمر في " فوائد المخلص " كذلك، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، وقد جمعها ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق، وأقربها إلى شرط البخاري حديث أبي الدرداء فإنه أخرج لرواته إلا أن فيه اختلافا على يحيى بن حمزة في شيخه هل هو ثور بن يزيد أو زيد بن واقد، وهو غير قادح لأن كلا منهما ثقة من شرطه، فلعله كتب الترجمة وبيض للحديث لينظر فيه فلم يتهيأ له أن يكتبه، وإنما ترجم بعمود الفسطاط ولفظ الخبر " في عمود الكتاب " إشارة إلى أن من رأى عمود الفسطاط في منامه فإنه يعبر بنحو ما وقع في الخبر المذكور، وهو قول العلماء بالتعبير قالوا من رأى في منامه عمودا فإنه يعبر بالدين أو برجل يعتمد عليه فيه، وفسروا العمود بالدين والسلطان، وأما الفسطاط فقالوا من رأى أنه ضرب عليه فسطاط فإنه ينال سلطانا بقدره أو يخاصم ملكا فيظفر به. *3* الشرح: قوله (باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام) تقدم في الذي قبله ما يتعلق بشيء منه، وحديث ابن عمر في الباب ذكره هنا من طريق وهيب بن خالد عن أيوب عن نافع بلفظ " سرقة " وذكره بلفظ " قطعة من إستبرق " كما في ترجمة الترمذي من طريق إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية عن أيوب فذكره مختصرا كرواية وهيب إلا أنه قال " كأنما في يدي قطعة إستبرق " فكأن البخاري أشار إلى روايته في الترجمة، وقد أخرجه أيضا في " باب من تعار من الليل " من كتاب التهجد، وهو في أواخر كتاب الصلاة من طريق حماد بن زيد عن أيوب أتم سياقا من رواية وهيب وإسماعيل، وأخرجه النسائي من طريق الحارث بن عمير عن أيوب فجمع بين اللفظتين فقال " سرقة من إستبرق " وقوله هنا " لا أهوي بها " هو بضم أوله، أهوي إلى الشيء بالفتح يهوي بالضم أي مال، ووقع في رواية حماد " فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه". الحديث: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لَا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ أَوْ قَالَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ الشرح: قوله في رواية وهيب (فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث وقع مثله في رواية حماد عند مسلم، ووقع عند المؤلف في روايته بعد قوله " طارت بي إليه " من الزيادة " ورأيت كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار " الحديث بهذه القصة مختصرا وقال فيه " فقصت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي " وظاهر رواية وهيب ومن تابعه أن الرؤيا التي أبهمت في رواية حماد هي رؤية السرقة من الحرير، وقد وقع ذلك صريحا في رواية حماد عند مسلم، لكن يعارضه ما مضى في " باب فضل قيام الليل " ويأتي في " باب الأخذ عن اليمين " من كتاب التعبير من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه فذكر الحديث في رؤيته النار وفيه " فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة"، فهو صريح في أن حفصة قصت رؤياه النار. كما أن رواية حماد صريحة في أن حفصة قصت رؤياه السرقة ولم يتعرض في رواية سالم إلى رؤيا السرقة فيحتمل أن يكون قوله " إحدى رؤياي " محمولا على أنها قصت رؤيا السرقة أولا ثم قصت رؤيا النار بعد ذلك، وأن التقدير قصت إحدى رؤياي أولا فلا يكون لقوله " إحدى " مفهوم، وهذا الموضح لم أر من تعرض له من الشراح ولا أزال إشكاله فلله الحمد على ذلك. قوله (فقال إن أخاك رجل صالح أو إن عبد الله رجل صالح) هو شك من الراوي، ووقع في رواية حماد المذكورة " إن عبد الله رجل صالح " بالجزم، وكذا في رواية صخر بن جويرية عن نافع، زاد الكشميهني في روايته عن الفربري في الموضعين " لو كان يصلي من الليل " وسقطت هذه الزيادة لغيره وهي ثابتة في رواية سالم كما تقدم في قيام الليل وتأتي، ويؤيد ثبوتها قوله في رواية حماد عند الجميع " فقال نافع فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة " وقد تقدم في قيام الليل وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عند مسلم " وقال نعم الفتى - أو قال نعم الرجل - ابن عمر لو كان يصلي من الليل قال ابن عمر وكنت إذا نمت لم أقم حتى أصبح، قال نافع فكان ابن عمر بعد يصلي من الليل، أخرج مسلم إسناده وأصله وأحال بالمتن على رواية سالم، وهو غير جيد لتغايرهما، وأخرجه بلفظه أبو عوانة والجوزقي بهذا، ويأتي في " باب الأمن وذهاب الروع " أيضا من طريق صخر بن جويرية عن نافع وكذا بعده في باب " الأخذ عن اليمين " في رواية سالم، قال الزهري: وكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل، ولعل الزهري سمع ذلك من نافع أو من سالم، ومضى شرحه هناك. ووقع في مسند أبي بكر بن هارون الروياني من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه في نحو هذه القصة من الزيادة " وكان عبد الله كثير الرقاد " وفيه أيضا " إن الملك الذي قال له لم ترع قال له لا تدع الصلاة، نعم الرجل أنت لولا قلة الصلاة". *3* الشرح: قوله (باب القيد في المنام) أي من رأى في المنام أنه مقيد ما يكون تعبيره؟ وظاهر إطلاق الخبر أنه يعبر بالثبات في الدين في جميع وجوهه، لكن أهل التعبير خصوا ذلك بما إذا لم يكن هناك قرينة أخرى كما لو كان مسافرا أو مريضا فإنه يدل على أن سفره أو مرضه يطول، وكذا لو رأى في القيد صفة زائدة كمن رأى في رجله قيدا من فضة فإنه يدل على أن يتزوج، وإن كان من ذهب فإنه لأمر يكون بسبب مال يتطلبه، وإن كان من صفر فإنه لأمر مكروه أو مال فات، وإن كان من رصاص فإنه لأمر فيه وهن، وإن كان من حبل فلأمر في الدين، وإن كان من خشب فلأمر فيه نفاق، وإن كان من حطب فلتهمة، وإن كان من خرقة أو خيط فلأمر لا يدوم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ عَوْفًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ قَالَ وَكَانَ يُقَالُ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ قَالَ وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِي النَّوْمِ وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ الْقَيْدُ وَيُقَالُ الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ وَرَوَى قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو هِلَالٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِي الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ وَقَالَ يُونُسُ لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَيْدِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ لَا تَكُونُ الْأَغْلَالُ إِلَّا فِي الْأَعْنَاقِ الشرح: قوله (حدثنا عبد الله بن صباح) بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو العطار بالبصري، وتقدم في الصلاة في " باب السمر بعد العشاء " حدثنا عبد الله بن الصباح، ولبعضهم عبد الله بن صباح كما هنا، ولأبي نعيم هنا من رواية محمد بن يحيى بن منده حدثنا عبد الله بن الصباح، وفي شيوخ البخاري ابن الصباح ثلاثة: عبد الله هذا ومحمد والحسن، وليس واحد منهم أخا الآخر. قوله (حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي، وعوف هو الأعرابي. قوله (إذا اقترب الزمان لم يكد رؤيا المؤمن تكذب) كذا للأكثر، ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بتقديم تكذب على رؤيا المؤمن، وكذا في رواية محمد بن يحيى، وكذا في رواية عيسى بن يونس عن عوف عند الإسماعيلي، قال الخطابي في " المعالم " في قوله " إذا اقترب الزمان " قولان: أحدهما أن يكون معناه تقارب زمان الليل وزمان النهار وهو وقت استوائهما أيام الربيع وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا، وكذلك هو في الحديث، والمعبرون يقولون: أصدق الرؤيا ما كان وقت اعتدال الليل والنهار وإدراك الثمار، ونقله في " غريب الحديث " عن أبي داود السجستاني ثم قال: والمعبرون يزعمون أن أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار وإدراك الثمار وهما الوقتان اللذان يعتدل فيهما الليل والنهار، والقول الآخر إن اقتراب الزمان انتهاء مدته إذا دنا قيام الساعة. قلت: يبعد الأول التقييد بالمؤمن، فإن الوقت الذي تعتدل فيه الطبائع لا يختص به، وقد جزم ابن بطال بأن الأول هو الصواب، واستند إلى ما أخرجه الترمذي من طريق معمر عن أيوب في هذا الحديث بلفظ " في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا " قال فعلى هذا فالمعنى إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة فكان الناس على مثل الفترة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، لكن لما كان نبينا خاتم الأنبياء وصار الزمان المذكور يشبه زمان الفترة عوضوا بما منعوا من النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من النبوة الآتية بالتبشير والإنذار انتهى. ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه من طريق الأوزاعي عن محمد ابن سيرين بلفظ " إذا قرب الزمان " وأخرج البزار من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين بلفظ " إذا تقارب الزمان " وسيأتي في كتاب الفتن من وجه آخر عن أبي هريرة " يتقارب الزمان ويرفع العلم " الحديث، والمراد به اقتراب الساعة قطعا. وقال الداودي: المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي انتهى. ومراده بالنقص سرعة مرورها، وذلك قرب قيام الساعة كما ثبت في الحديث الآخر عند مسلم وغيره " يتقارب الزمان، حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة " وقيل إن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق، فإن ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه، وأما قوله " لم تكد إلخ " فيه إشارة إلى غلبة الصدق على الرؤيا وإن أمكن أن شيئا منها لا يصدق، والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلا لأن حرف النفي الداخل على " كاد " ينفي قرب حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ذكره الطيبي. وقال القرطبي في " المفهم ": والمراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى بن مريم بعد قتله الدجال، فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر ما نصه " فيبعث الله عيسى بن مريم فيمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضه " الحديث، قال: فكان أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالا بعد الصدر الأول وأصدقهم أقوالا، فكانت رؤياهم لا تكذب، ومن ثم قال عقب هذا " وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا " وإنما كان كذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة، وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقا وهذا بخلاف الكاذب والمخلط فإنه يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطا وأضغاثا، وقد يندر المنام أحيانا فيرى الصادق ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح، ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم والله أعلم. وهذا يؤيد ما تقدم أن الرؤيا لا تكون إلا من أجزاء النبوة إن صدرت من مسلم صادق صالح ثم ومن ثم قيد بذلك في حديث " رؤيا المسلم جزء " فإنه جاء مطلقا مقتصرا على المسلم فأخرج الكافر، وجاء مقيدا بالصالح تارة وبالصالحة وبالحسنة وبالصادقة كما تقدم بيانه، فيحمل المطلق على المقيد، وهو الذي يناسب حاله حال النبي فيكرم بما أكرم به النبي وهو الاطلاع على شيء من الغيب، فأما الكافر والمنافق والكاذب والمخلط وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات فإنها لا تكون من الوحي ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق ما يكون خبره ذلك نبوة، فقد يقول الكاهن كلمة حق وقد يحدث المنجم فيصيب لكن كل ذلك على الندور والقلة والله أعلم. وقال ابن أبي جمرة: معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبا على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير فلا يدخلها الكذب، بخلاف ما قبل ذلك فإنها قد يخفى تأويلها فيعبرها العابر فلا تقع كما قال فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار، قال: والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا كما في الحديث " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا " أخرجه مسلم، فيقل أنيس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة. قال: ويمكن أن يؤخذ من هذا سبب اختلاف الأحاديث في عدد أجزاء النبوة بالنسبة لرؤيا المؤمن فيقال: كلما قرب الأمر وكانت الرؤيا أصدق حمل على أقل عدد ورد، وعكسه وما بين ذلك. قلت: وتنبغي الإشارة إلى هذه المناسبة فيما تقدم من المناسبات وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب " إذا كان المراد آخر الزمان ثلاثة أقوال: أحدها أن العلم بأمور الديانة لما يذهب غالبه بذهاب غالب أهله وتعذرت النبوة في هذه الأمة عوضوا بالمرأى الصادقة ليجدد لهم ما قد درس من العلم، والثاني أن المؤمنين لما يقل عددهم ويغلب الكفر والجهل والفسق على الموجودين يؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة إكراما له وتسلية وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين بل كلما قرب فراغ الدنيا وأخذ أمر الدين في الاضمحلال تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق، والثالث أن ذلك خاص بزمان عيسى بن مريم، وأولها أولاها، والله أعلم. قوله (ورؤيا المؤمن جزء) الحديث هو معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهو " إذا اقترب الزمان " الحديث فهو مرفوع أيضا، وقد تقدم شرحه مستوفى قريبا وقوله " وما كان من النبوة فإنه لا يكذب " هذا القدر لم يتقدم في شيء من طريق الحديث المذكور، وظاهر إيراده هنا أنه مرفوع، ولئن كان كذلك فإنه أولى ما فسر به المراد من النبوة في الحديث وهو صفة الصدق، ثم ظهر لي أن قوله بعد هذا " قال محمد: وأنا أقول هذه " الإشارة في قوله " هذه " للجملة المذكورة، وهذا هو السر في إعادة قوله " قال " بعد قوله " هذا " ثم رأيت في " بغية النقاد لابن المواق " أن عبد الحق أغفل التنبيه على أن هذه الزيادة مدرجة وأنه لا شك في إدراجها، فعلى هذا فهي من قول ابن سيرين وليست مرفوعة. قوله (وأنا أقول هذه) كذا لأبي ذر وفي جميع الطرق وكذا ذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما، ووقع في شرح ابن بطال " وأنا أقول هذه الأمة وكان يقال إلخ". قلت: وليست هذه اللفظة في شيء من نسخ صحيح البخاري ولا ذكرها عبد الحق في جمعه ولا الحميدي ولا من أخرج حديث عوف من أصحاب الكتب والمسانيد، وقد تقلده عياض فذكره كما ذكره ابن بطال وتبعه في شرحه فقال: خشي ابن سيرين أن يتأول أحد معنى قوله " وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا " أنه إذا تقارب الزمان لم يصدق إلا رؤيا الرجل الصالح فقال: وأنا أقول هذه الأمة " يعني رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها ليكون صدق رؤياهم زاجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين وطموس آثره بموت العلماء وظهور المنكر انتهى. وهذا مرتب على ثبوت هذه الزيادة وهي لفظة " الأمة " ولم أجدها في شيء من الأصول، وقد قال أبو عوانة الإسفرايني بعد أن أخرجه موصولا مرفوعا من طريق هشام عن ابن سيرين: هذا لا يصح مرفوعا عن ابن سيرين. قلت: وإلى ذلك أشار البخاري في آخره بقوله وحديث عوف أبين أي حيث فصل المرفوع من الموقوف. قوله (قال وكان يقال الرؤيا ثلاث إلخ) قائل " قال " هو محمد بن سيرين، وأبهم القائل في هذه الرواية وهو أبو هريرة، وقد رفعه بعض الرواة ووقفه بعضهم، وقد أخرجه أحمد عن هوذة بن خليفة عن عوف بسنده مرفوعا " الرؤيا ثلاث " الحديث مثله، وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان " وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين مرفوعا أيضا بلفظ " الرؤيا ثلاث، فالرؤيا الصالحة بشرى من الله " والباقي نحوه. قوله (حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله) وقع في حديث عوف بن مالك عند ابن ماجه بسند حسن رفعه " الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". قلت: وليس الحصر مرادا من قوله " ثلاث " لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس، وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة، وبقي نوع خامس وهو تلاعب الشيطان، وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال " جاء أعرابي فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع فأنا أتبعه " وفي لفظ " فقد خرج فاشتددت في أثره، فقال: لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام " وفي رواية له " إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس". ونوع سادس وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة، كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص. وسابع وهو الأضغاث. قوله (فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل) زاد في رواية هوذة " فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها لمن يشاء، وإذا رأى شيئا يكرهه " فذكر مثله. ووقع في رواية أيوب عن محمد بن سيرين " فيصل ولا يحدث بها الناس " وزاد في رواية سعيد بن أبي عروبة عن ابن سيرين عند الترمذي " وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح " وهذا ورد معناه مرفوعا في حديث أبي رزين عند أبي داود والترمذي وابن ماجه " ولا يقصها إلا على واد أو ذي رأي " وقد تقدم شرح هذه الزيادة في " باب الرؤيا من الله تعالى". قوله (قال وكان يكره الغل في النوم، ويعجبهم القيد وقال: القيد ثبات في الدين) كذا ثبت هنا بلفظ الجمع في " يعجبهم " والإفراد في " يكره ويقول " قال الطيبي: ضمير الجمع لأهل التعبير، وكذا قوله " وكان يقال " قال المهلب: الغل يعبر بالمكروه لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى وقال ابن العربي: إنما أحبوا القيد لذكر النبي صلى الله عليه وسلم له في قسم المحمود فقال " قيد الإيمان الفتك". وأما الغل فقد كره شرعا في المفهوم كقوله (خذوه فغلوه - وإذ الأغلال في أعناقهم - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك - وغلت أيديهم) وإذا جعل القيد ثباتا في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل. وقال النووي: قال العلماء إنما أحب القيد لأن محله الرجل وهو كف عن المعاصي والشر والباطل، وأبغض الغل لأن محله العنق وهو صفة أهل النار. وأما أهل التعبير فقالوا إن القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له. وقالوا إن انضم الغل إلى القيد دل على زيادة المكروه، وإذا جعل الغل في اليدين حمد لأنه كف لهما عن الشر، وقد يدل على البخل بحسب الحال. وقالوا أيضا: إن رأى أن يديه مغلولتان فهو يخيل، وإن رأى أنه قيد وغل فإنه يقع في سجن أو شدة. قلت: وقد يكون الغل في بعض المرائي محمودا كما وقع لأبي بكر الصديق فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال " مر صهيب بأبي بكر فأعرض عنه، فسأله فقال: رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر رجل من الأنصار، فقال أبو بكر: جمع لي ديني إلى يوم الحشر. وقال الكرماني: اختلف في قوله وكان يقال هل هو مرفوع أو لا فقال بعضهم من قوله " وكان يقال " إلى قوله " في الدين " مرفوع كله. وقال بعضهم هو كله كلام ابن سيرين وفاعل " كان يكره " أبو هريرة. قلت: أخذه من كلام الطيبي فإنه قال: يحتمل أن يكون مقولا للراوي عن ابن سيرين فيكون اسم كان ضميرا لابن سيرين وأن يكون مقولا لابن سيرين واسم كان ضمير أبي هريرة أو النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن سيرين وقال في آخره: لا أدري هو في الحديث أو قاله ابن سيرين. قوله (ورواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أصل الحديث وأما من قوله " وكان يقال " فمنهم من رواه بتمامه مرفوعا ومنهم من اقتصر على بعضه كما سأبينه. قوله (وأدرجه بعضهم كله في الحديث) يعني جعله كله مرفوعا، والمراد به رواية هشام عن قتادة كما سأبينه. قوله (وحديث عوف أبين) أي حيث فصل المرفوع من الموقوف ولا سيما تصريحه بقول ابن سيرين " وأنا أقول هذه " فإنه دال على الاختصاص بخلاف ما قال فيه " وكان يقال " فإن فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه، وقد اقتصر بعض الرواة عن عوف على بعض ما ذكره معتمر بن سليمان عنه كما بينته من رواية هوذة وعيسى بن يونس، قال القرطبي: ظاهر السياق أن الجميع من قول النبي صلى الله عليه وسلم، غير أن أيوب هو الذي روى هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وقد أخبر عن نفسه أنه شك أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة فلا يعول على ذلك الظاهر. قلت: وهو حصر مردود، وكأنه تكلم عليه بالنسبة لرواية مسلم خاصة فإن مسلما ما أخرج طريق عوف هذه ولكنه أخرج طريق قتادة عن محمد بن سيرين، فلا يلزم من كون أيوب شك أن لا يعول على رواية من لم يشك وهو قتادة مثلا، لكن لما كان في الرواية المفصلة زيادة فرجحت. قوله (وقال يونس لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القيد) يعني أنه شك في رفعه. قوله (قال أبو عبد الله) هو المصنف. قوله (لا تكون الأغلال إلا في الأعناق) كأنه يشير إلى الرد على من قال: قد يكون الغل في غير العنق كاليد والرجل، والغل بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال، قال: وقد أطلق بعضهم الغل على ما تربط به اليد، وممن ذكره أبو علي القالي وصاحب المحكم وغيرهما قالوا: الغل جامعة تجعل في العنق أو اليد والجمع أغلال، ويد مغلولة جعلت في الغل، ويؤيده قوله تعالى (غلت أيديهم) كذا استشهد به الكرماني، وفيه نظر لأن اليد تغل في العنق وهو عند أهل التعبير عبارة عن كفهما عن الشر، ويؤيده منام صهيب في حق أبي بكر الصديق كما تقدم قريبا، فأما رواية قتادة المعلقة فوصلها مسلم والنسائي من رواية معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن أبيه عن قتادة ولفظ النسائي بالسند المذكور " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول الرؤيا الصالحة بشارة من الله والتحزين من الشيطان، ومن الرؤيا ما يحدث به الرجل نفسه، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليقم فليصل، وأكره الغل في النوم، ويعجبني القيد فإن القيد ثبات في الدين " وأما مسلم فإنه ساقه بسنده عقب رواية معمر عن أيوب التي فيها " قال أبو هريرة فيعجبني القيد وأكره الغل، القيد ثبات في الدين " قال مسلم فأدرج يعني هشاما عن قتادة في الحديث قوله " وأكره الغل إلخ " ولم يذكر " الرؤيا جزء " الحديث وكذلك رواه أيوب عن محمد بن سيرين قال " قال أبو هريرة أحب القيد في النوم وأكره الغل، القيد في النوم ثبات في الدين " أخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية سفيان بن عيينة عنه، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فذكر حديث " إذا اقترب الزمان " الحديث ثم قال " ورؤيا المسلم جزء من " الحديث ثم قال " والرؤيا ثلاث " الحديث ثم قال بعده " قال وأحب القيد وأكره الغل، القيد ثبات في الدين " فلا أدري هو في الحديث أو قاله ابن سيرين، هذا لفظ مسلم، ولم يذكر أبو داود ولا الترمذي قوله " فلا أدري إلخ". وأخرجه الترمذي وأحمد والحاكم من رواية معمر عن أيوب فذكر الحديث الأول ونحو الثاني ثم قال بعدهما: قال أبو هريرة يعجبني القيد إلخ، قال " وقال النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء إلخ " وقد أخرج الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حديث " الرؤيا ثلاثة " مرفوعا كما أشرت إليه قبل هذا ثم قال بعده " وكان يقول يعجبني القيد " الحديث، وبعده وكان يقول: " من رآني فإني أنا هو " الحديث وبعده " وكان يقول: لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح " وهذا ظاهر في أن الأحاديث كلها مرفوعة، وأما رواية يونس وهو ابن عبيد فأخرجها البزار في مسنده من طريق أبي خلف وهو عبد الله بن عيسى الخزاز بمعجمات البصري عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال " إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأحب القيد وأكره الغل " قال: ولا أعلمه إلا وقد رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال البزار روي عن محمد من عدة أوجه، وإنما ذكرناه من رواية يونس لعزة ما أسند يونس عن محمد بن سيرين. قلت: وقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي بكر الهذلي عن ابن سيرين حديث القيد موصولا مرفوعا ولكن الهذلي ضعيف وأما رواية هشام فقال أحمد " حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام هو ابن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اقترب الزمان الحديث، ورؤيا المؤمن الحديث، وأحب القيد في النوم الحديث، والرؤيا ثلاث الحديث، فساق الجميع مرفوعا، وهكذا أخرجه الدارمي من رواية مخلد بن الحسين عن هشام، وأخرجه الخطيب في المدرج من طريق علي بن عاصم عن خالد وهشام عن ابن سيرين مرفوعا، قال الخطيب: والمتن كله مرفوع إلا ذكر القيد والغل فإنه قول أبي هريرة أدرج في الخبر، وبينه معمر عن أيوب. وأخرج أبو عوانة في صحيحه من طريق عبد الله بن بكر عن هشام قصة القيد وقال: الأصح أن هذا من قول ابن سيرين. وقد أخرجه مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان وأيوب جميعا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال " إذا اقترب الزمان " قال وساق الحديث ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام موقوفا وزاد في آخره " قال أبو هريرة: اللبن في المنام الفطرة " وأما رواية أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي عن محمد بن سيرين فلم أقف عليها موصولة إلى الآن. وأخرج أحمد في الزهد عن عثمان عن حماد بن زيد عن أيوب قال " رأيت ابن سيرين مقيدا في المنام " وهذا يشعر بأن ابن سيرين كان يعتمد في تعبير القيد على ما في الخبر فأعطي هو ذلك وكان كذلك قال القرطبي: هذا الحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح، لأن القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك دليلا على ثبوته على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فلأن محله الأعناق نكالا وعقوبة وقهرا وإذلالا، وقد يسحب على وجهه ويخر على قفاه فهو مذموم شرعا وعادة، فرؤيته في العنق دليل على وقوع حال سيئة للرائي تلازمه ولا ينفك عنها، وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاص ارتكبها أو حقوق لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته، وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه أو تلازمه. *3* الشرح: قوله (باب العين الجارية في المنام) قال المهلب: العين الجارية تحتمل وجوها، فإن كان ماؤها صافيا عبرت بالعمل الصالح وإلا فلا. وقال غيره: العين الجارية عمل جار من صدقة أو معروف لحي أو ميت قد أحدثه أو أجراه. وقال آخرون: عين الماء نعمة وبركة وخير وبلوغ أمنية إن كان صاحبها مستورا، فإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكي لها أهل داره. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ قَالَ وَمَا يُدْرِيكِ قُلْتُ لَا أَدْرِي وَاللَّهِ قَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ قَالَتْ وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ الشرح: قوله (عبد الله) هو ابن المبارك. قوله (عن أم العلاء وهي امرأة من نسائهم) وتقدم في كتاب الهجرة أنها والدة خارجة بن زيد الراوي عنها هنا وأن هذا الحديث ورد من طريق أبي النضر عن خارجة بن زيد عن أمه، وذكرت نسبها هناك وأن اسمها كنيتها، ومنه يؤخذ أن القائل هنا " وهي امرأة من نسائهم " هو الزهري راويه عن خارجة بن زيد، ووقع في " باب رؤيا النساء " فيما مضى قريبا من طريق عقيل عن ابن شهاب عن خارجة " أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته " وأخرج أحمد وابن سعد بسند فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف من حديث ابن عباس قال " لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته هنيئا لك الجنة " فذكر نحو هذه القصة، وقوله "امرأته " فيه نظر، فلعله كان فيه " قالت امرأة " بغير ضمير وهي أم العلاء، ويحتمل أنه كان تزوجها قبل زيد بن ثابت، ويحتمل أن يكون القول تعدد منهما. وعند ابن سعد أيضا من مرسل زيد بن أسلم بسند حسن " قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عجوزا تقول في جنازة عثمان بن مظعون وراء جنازته: هنيئا لك الجنة يا أبا السائب " فذكر نحوه وفيه " بحسبك أن تقولي كان يحب الله ورسوله". قوله (طار لنا) تقدم بيانه في " باب القرعة في المشكلات " ووقع عند ابن سعد من وجه آخر عن معمر " فتشاحت الأنصار فيهم أن ينزلوهم منازلهم حتى اقترعوا عليهم فطار لنا عثمان بن مظعون " يعني وقع في سهمنا، كذا وقع التفسير في الأصل وأظنه من كلام الزهري أو من دونه. قوله (حين اقترعت) في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني " أقرعت " بحذف التاء ووقع في رواية عقيل المذكورة أنهم " اقتسموا المهاجرين قرعة". قوله (فاشتكى فمرضناه حتى توفي) في الكلام حذف تقديره فأقام عندنا مدة فاشتكى أي مرض فمرضناه أي قمنا بأمره في مرضه، وقد وقع في رواية عقيل " فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فرجع وجعه الذي توفي فيه " قلت: وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث من الهجرة أرخه ابن سعد وغيره، وقد تقدمت سائر فوائده في أول الجنائز والكلام على قوله ما يفعل به والاختلاف فيها، وقوله في آخره " ذاك عمله يجري له " قيل يحتمل أنه كان لعثمان شيء عمله بقي له ثوابه جاريا كالصدقة، وأنكره مغلطاي وقال: لم يكن لعثمان بن مظعون شيء من الأمور الثلاث التي ذكرها مسلم من حديث أبي هريرة رفعه " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث". قلت: وهو نفي مردود فإنه كان له ولد صالح شهد بدرا وما بعدها وهو السائب مات في خلافة أبي بكر فهو أحد الثلاث، وقد كان عثمان من الأغنياء فلا يبعد أن تكون له صدقة استمرت بعد موته، فقد أخرج ابن سعد من مرسل أبي بردة بن أبي موسى قال " دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأين هيئتها فقلن: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك، فقالت: أما ليله فقائم " الحديث ويحتمل أن يراد بعمل عثمان بن مظعون مرابطته في جهاد أعداء الله فإنه ممن يجري له عمله كما ثبت في السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد رفعه " كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر " وله شاهد عند مسلم والنسائي والبزار من حديث سلمان رفعه " رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأمن الفتان " وله شواهد أخرى، فليحمل حال عثمان ابن مظعون على ذلك ويزول الإشكال من أصله. *3* رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس) هو بفتح الواو من الري، والنزع بفتح النون وسكون الزاي إخراج الماء للاستسقاء. قوله (رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وصله المصنف من حديثه في الباب الذي بعده. الحديث: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ الشرح: قوله (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) هو الدورقي وشعيب بن حرب هو المدائني يكنى أبا صالح كان أصله من بغداد فسكن المدائن حتى نسب إليها ثم انتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها، وكان صدوقا شديد الورع وقد وثقه يحيى بن معين والنسائي والدار قطني وآخرون وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد ذكره في الضعفاء شعيب بن حرب فقال منكر الحديث مجهول، وأظنه آخر وافق اسمه واسم أبيه والعلم عند الله تعالى. قوله (بينا أنا على بئر أنزع منها) أي أستخرج منها الماء بآلة كالدلو. وفي حديث أبي هريرة في الباب الذي يليه " رأيتني على قليب وعليها دلو فنزعت منها ما شاء الله " وفي رواية همام " رأيت أني على حوض أسقي الناس) والجمع بينهما أن القليب هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي، والحوض هو الذي يجعل بجانب البئر لشرب الإبل فلا منافاة. قوله (إذ جاءني أبو بكر وعمر) في رواية أبي يونس عن أبي هريرة " فجاءني أبو بكر فأخذ أبو بكر الدلو " أي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يملأ بها الماء، ووقع في رواية همام الآتية بعد هذا " فأخذ أبو بكر مني الدلو ليريحني " وفي رواية أبي يونس " ليروحني " وأول حديث سالم عن أبيه في الباب الذي يليه " رأيت الناس اجتمعوا " ولم يذكر قصة النزع ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عن أبيه " أريت في النوم أني أنزع على قليب بدلو بكرة " فذكر الحديث نحوه أخرجه أبو عوانة. قوله (فنزع ذنوبا أو ذنوبين) كذا هنا، ومثله لأكثر الرواة، ووقع في رواية همام المذكورة " ذنوبين " ولم يشك، ومثله في رواية أبي يونس، والذنوب بفتح المعجمة الدلو الممتلئ. قوله (وفي نزعه ضعف) تقدم شرحه وبيان الاختلاف في تأويله في آخر علامات النبوة في مناقب عمر. قوله (فغفر الله له) وقع في الروايات المذكورة " والله يغفر له". قوله (ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر) كذا هنا، ولم يذكر مثله في أخذ أبي بكر الدلو من النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه إشارة إلى أن عمر ولي الخلافة بعهد من أبي بكر إليه بخلاف أبي بكر فلم تكن خلافته بعهد صريح من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب من الصريح. قوله (فاستحالت في يده غربا) أي تحولت الدلو غربا، وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ مقابل الشرق، قال أهل اللغة: الغرب الدلو العظيمة المتخذة من جلود البقر، فإذا فتحت الراء فهو الماء الذي يسيل بين البئر والحوض. ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك البوني أن الغرب كل شيء رفيع، وعن الداودي قال: المراد أن الدلو أحالت باطن كفيه حتى صار أحمر من كثرة الاستسقاء، قال ابن التين: وقد أنكر ذلك أهل العلم وردوه على قائله. قوله (فلم أر عبقريا) تقدم ضبطه وبيانه في مناقب عمر، وكذلك قوله " يفري فريه " ووقع عند النسائي في رواية ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه: قال حجاج قلت لابن جريج: ما استحال؟ قال: رجع. قلت: ما العبقري؟ قال: الأجير. وتفسير العبقري بالأجير غريب قال أبو عمرو الشيباني: عبقري القوم سيدهم وقويهم وكبيرهم. وقال الفارابي: العبقري من الرجال الذي ليس فوقه شيء. وذكر الأزهري أن عبقر موضع بالبادية، وقيل بلد كان ينسج فيه البسط الموشية فاستعمل في كل شيء جيد وفي كل شيء فائق. ونقل أبو عبيد أنها من أرض الجن، وصار مثلا لكل ما ينسب إلى شيء نفيس. وقال الفراء: العبقري السيد وكل فاخر من حيوان وجوهر، وبساط وضعت عليه وأطلقوه في كل شيء عظيم في نفسه. وقد وقع في رواية عقيل المشار إليه " ينزع نزع ابن الخطاب " وفي رواية أبي يونس " فلم أر نزع رجل قط أقوى منه". قوله (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين وآخره نون هو ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل، والمراد بقوله " ضرب " أي ضربت الإبل بعطن بركت، والعطن للإبل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول الحوض. ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عن أبيه عند أبي بكر بن أبي شيبة (حتى روي الناس وضربوا بعطن) ووقع في رواية همام " فلم يزل بنزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر " وفي رواية أبي يونس " ملآن ينفجر " قال القاضي عياض ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر، وقيل هو لخلافتهما معا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمين أولا بدفع أهل الردة وابتدأت الفتوح في زمانه، ثم عهد إلى عمر فكثرت في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستقرت قواعده. وقال غيره: معنى عظم الدلو في يد عمر كون الفتوح كثرت في زمانه ومعنى " استحالت " انقلبت عن الصغر إلى الكبر. وقال النووي قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الدين، ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه، فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وشبه بالمستقي لهم منها وسقيه هو قيامه بمصالحهم. وفي قوله " ليريحني " إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في الموت راحة من كدر الدنيا وتعبها، فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم، وأما قوله وفي نزعه ضعف فليس فيه حط من فضيلته وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة ولايته، وأما ولاية عمر فإنها لما طالت كثر انتفاع الناس بها واتسعت دائرة الإسلام بكثرة الفتوح وتمصير الأمصار وتدوين الدواوين، وأما قوله " والله يغفر له " فليس فيه نقص له ولا إشارة إلى أنه وقع منه ذنب، وإنما هي كلمة كانوا يقولونها يدعمون بها الكلام. وفي الحديث إعلام بخلافتهما وصحة ولايتهما وكثرة الانتفاع بهما، فكان كما قال. وقال ابن العربي: ليس المراد بالدلو التقدير الدال على قصر الحظ، بل المراد التمكن من البئر، وقوله في الرواية المذكورة: بدلو بكرة فيه إشارة إلى صغر الدلو قبل أن يصير غربا. وأخرج أبو ذر الهروي في كتاب الرؤيا من حديث ابن مسعود نحو حديث الباب، لكن قال في آخره " فعبرها يا أبا بكر، قال: ألي الأمر بعدك ويليله بعدي عمر. قال: كذلك عبرها الملك " وفي سنده أيوب بن جابر وهو ضعيف وهذه الزيادة منكرة، وقد ورد هذا الحديث من وجه آخر بزيادة فيه، فأخرج أحمد وأبو داود واختار الضياء من طريق أشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبيه عن سمرة بن جندب " أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء " وهذا يبين أن المراد بالنزع الضعيف والنزع القوي الفتوح والغنائم، وقوله "دلي " بضم المهملة وتشديد اللام أي أرسل إلى أسفل، وقوله "بعراقيها " بكسر المهملة وفتح القاف، والعراقان خشبتان تجعلان على فم الدلو متخالفتان لربط الدلو. وقوله "تضلع " بالضاد المعجمة أي ملأ أضلاعه كناية عن الشبع، وقوله "انتشطت " بضم المثناة وكسر المعجمة بعدها طاء مهملة أي نزعت منه فاضطربت وسقط بعض ما فيها أو كله. قال ابن العربي: حديث سمرة يعارض حديث ابن عمر وهما خبران. قلت: الثاني هو المعتمد، فحديث ابن عمر مصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرائي، وحديث سمرة فيه أن رجلا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى، وقد أخرج أحمد من حديث أبي الطفيل شاهدا لحديث ابن عمر وزاد فيه " فوردت على غنم سود وغنم عفر " وقال فيه " فأولت السود العرب والعفر العجم " وفي قصة عمر " فملأ الحوض وأروى الواردة " ومن المغايرة بينهما أيضا أن في حديث ابن عمر " نزع الماء من البئر " وحديث سمرة فيه نزول الماء من السماء، فهما قصتان تشد إحداهما الأخرى، وكأن قصة حديث سمرة سابقة فنزل الماء من السماء وهي خزانته فأسكن في الأرض كما يقتضيه حديث سمرة ثم أخرج منها بالدلو كما دل عليه حديث ابن عمر، وفي حديث سمرة إشارة إلى نزول النصر من السماء على الخلفاء، وفي حديث ابن عمر إشارة إلى استيلائهم على كنوز الأرض بأيديهم، وكلاهما ظاهر من الفتوح التي فتحوها. وفي حديث سمرة زيادة إشارة إلى ما وقع لعلي من الفتن والاختلاف عليه، فإن الناس أجمعوا على خلافته ثم لم يلبث أهل الجمل أن خرجوا عليه وامتنع معاوية في أهل الشام ثم حاربه بصفين ثم غلب بعد قليل على مصر، وخرجت الحرورية على علي فلم يحصل له في أيام خلافته راحة، فضرب المنام المذكور مثلا لأحوالهم رضوان الله عليهم أجمعين. *3* الشرح: قوله (باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف) أي مع ضعف نزع. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ قَامَ ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَمَا رَأَيْتُ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ الشرح: حديث ابن عمر الذي قبله وحديث أبي هريرة بمعناه، وزهير في الحديث الأول هو ابن معاوية، وقوله "عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم " كأنه تقدم للتابعي سؤال عن ذلك فأخبره به الصحابي، وقوله "في أبي بكر وعمر " أي فيما يتعلق بمدة خلافتهما، وقوله "قال رأيت " القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم وحاكى ذلك عنه هو ابن عمر، وقوله "رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر " فيه اختصار يوضحه ما قبله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولا فنزع من البئر ثم جاء أبو بكر، وقد تقدمت بقية فوائد حديثي الباب في الباب قبله، وسعيد في الحديث الثاني هو ابن المسيب، وفي الحديثين أنه من رأى أنه يستخرج من بئر ماء أنه يلي ولاية جليلة وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة، وقد تعبر البئر بالمرأة وما يخرج منها بالأولاد، وهذا الذي اعتمده أهل التعبير ولم يعرجوا على الذي قبله فهو الذي ينبغي أن يعول عليه، لكنه بحسب حال الذي ينزع الماء، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ وَعَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ الشرح: حديث ابن عمر الذي قبله وحديث أبي هريرة بمعناه، وزهير في الحديث الأول هو ابن معاوية، وقوله "عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم " كأنه تقدم للتابعي سؤال عن ذلك فأخبره به الصحابي، وقوله "في أبي بكر وعمر " أي فيما يتعلق بمدة خلافتهما، وقوله "قال رأيت " القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم وحاكى ذلك عنه هو ابن عمر، وقوله "رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر " فيه اختصار يوضحه ما قبله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولا فنزع من البئر ثم جاء أبو بكر، وقد تقدمت بقية فوائد حديثي الباب في الباب قبله، وسعيد في الحديث الثاني هو ابن المسيب، وفي الحديثين أنه من رأى أنه يستخرج من بئر ماء أنه يلي ولاية جليلة وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة، وقد تعبر البئر بالمرأة وما يخرج منها بالأولاد، وهذا الذي اعتمده أهل التعبير ولم يعرجوا على الذي قبله فهو الذي ينبغي أن يعول عليه، لكنه بحسب حال الذي ينزع الماء، والله أعلم. *3* الشرح: قوله (باب الاستراحة في المنام) قال أهل التعبير: إن كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره وتكون الدنيا تحت يده لأن الأرض أقوى ما يستند إليه، بخلاف ما إذا كان منبطحا فإنه لا يدري ما وراءه. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرِيحَنِي فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ فَأَتَى ابْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ الشرح: حديث همام عن أبي هريرة في رؤياه صلى الله عليه وسلم الدلو، وفيه " فأخذ أبو بكر الدلو ليريحني، وقد تقدمت فوائده في الذي قبله، وقوله فيه (رأيت أني على حوض أسقي الناس) ، كذا للأكثر. وفي رواية المستملي والكشميهني " على حوضي " والأول أولى، وكأنه كان يملأ من البئر فيسكب في الحوض والناس يتناولون الماء لبهائمهم وأنفسهم، وإن كانت رواية المستملي محفوظة احتمل أن يريد حوضا له في الدنيا لا حوضه الذي في القيامة. *3* الشرح: قوله (باب القصر في المنام) قال أهل التعبير: القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق، وقد يفسر دخول القصر بالتزويج. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ قُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ قَالَ أَعَلَيْكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ الشرح: حديث أبي هريرة " بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة " أخرجه من رواية عقيل عن ابن شهاب، ووقع عند مسلم من رواية يونس بن يزيد عن ابن شهاب بلفظ " بينما أنا نائم إذ رأيتني " وهو بضم التاء لضمير المتكلم. قوله (فإذا امرأة تتوضأ) تقدم في مناقب عمر ما نقل عن ابن قتيبة والخطابي أن قوله " تتوضأ " تصحيف وأن الأصل " شوهاء " بشين معجمة مفتوحة وواو ساكنة ثم هاء عوض الضاد المعجمة، واعتل ابن قتيبة لأن الجنة ليست دار تكليف، ثم وجدت بعضهم اعترض عليه بقوله: وليس في الجنة شوهاء، وهذا الاعتراض لا يرد على ابن قتيبة لأنه ادعى أن المراد بالشوهاء الحسناء كما تقدم بيانه واضحا، قال: والوضوء لغوي ولا مانع منه " وقال القرطبي: إنما توضأت لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا إذ الجنة منزهة عن ذلك". وقال الكرماني: تتوضأ من الوضاءة وهي النظافة والحسن، ويحتمل أن يكون من الوضوء، ولا يمنع من ذلك كون الجنة ليست دار تكليف لجواز أن يكون على غير وجه التكليف. قلت: ويحتمل أن لا يراد وقوع الوضوء منها حقيقة لكونه مناما فيكون مثالا لحالة المرأة المذكورة، وقد تقدم في المناقب أنها أم سليم وكانت في قيد الحياة حينئذ فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إلى جانب قصر عمر، فيكون تعبيره بأنها من أهل الجنة لقول الجمهور من أهل التعبير أن من رأى أنه دخل الجنة أنه يدخلها فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق، وأما وضوءوها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى وطهارتها جسما وحكما وأما كونها إلى جانب قصر عمر ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته وكان كذلك، ولا يعارض هذا ما تقدم في صفة الجنة من بدء الخلق من أن رؤيا الأنبياء حق والاستدلال على ذلك بغيرة عمر لأنه لا يلزم من كون المنام على ظاهره أن لا يكون بعضه يفتقر إلى تعبير، فإن رؤيا الأنبياء حق يعني ليست من الأضغاث سواء كانت على حقيقتها أو مثالا، والله أعلم، وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في المناقب. وقوله "أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار " تقدم أنه من المقلوب لأن القياس أن يقول أعليها أغار منك. وقال الكرماني: لفظ " عليك " ليس متعلقا بأغار بل التقدير مستعليا عليك أغار عليها، قال: ودعوى القياس المذكور ممنوعة إذ لا محوج إلى ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه، ويحتمل أن يكون أطلق " على " وأراد " من " كما قيل إن حروف الجر تتناوب، وفي الحديث جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيرة عمر، وقوله "رجل من قريش " عرف من الرواية الأخرى أنه عمر. قال الكرماني: علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمر إما بالقرائن وإما بالوحي. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَدْخُلَهُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِلَّا مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ قَالَ وَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الشرح: قوله (معتمر) هو ابن سليمان التيمي البصري، وعبيد الله بن عمر هو العمري المدني، وتقدم حديث جابر أتم من هذا وشرحه مستوفى في المناقب.
|